لا أتجاوز الشعورُ يا الله.
أنا هشّة، كأوراق الخريف المتساقطة التي لا زلت أستلذ خشخشتها تحت وقع قدمي. لم أتجاوز موت الأخ؛ حين إعلان النبأ كان أمامي خيارين( تلك الخيارات التي نختارها فتبقى للأبد) إما أن أقضي أيام العزاء بين نَوح وبكاء أو التظاهر بالجلد. اخترت الثانية لأن الموت كان أفجع من دموع تُسال. بقي موته حبيس قلبي إلى هذه اللحظة، كل الدموع التي انهلّت والنساء المتشحات السواد اختزلتهن في قلبي، لم أتجاوز الموت وإنما استحضره في أي لحظة وفي المنامات أحيانا.
لم أتجاوز فُرقى خالد وماجد، أصدقاء الابتدائي، ولم يستوعب عقلي "عيب" ولا "كبرتوا" لأن ألعاب الصبيان أحلى وصداقتهم تروقني. بلغت الرابع والعشرين ولا زال خالد وماجد يرتعان في قلبي، لازلت اسمع بقايا تصادمات كُور التيل والألعاب الصبيانية الماكرة.
قلبي مُستودع قديم، مهما تنكرّت للماضي فإن الذكريات تنهال، ومهما بُنيت أعشاش العنكبوت وتراكم الغبار فإن الذكريات لا تضمحل وإن تآكلت بفعل تعرية الزمن.