Sunday, September 20, 2015

حبيبي مات، انتصر الوطن.

إلى م.ع.ر
قميصك مُضرّج بالدم ويداك ملطختان ببقايا أُناس لن يعودوا، قتلتهم كي تنتصر، تنتصر البلاد، لا يهّم. أحدكما كان يجب أن يموت كي ينتصر الآخر.
--
إلى الجندي بعين كلون العسل وكأن الناظر إلي مُقلتيك يهيم في وادٍ سحيق، إلى الشّج العرضي تحت الشفة السفليّة، عُد.
حينما ودعتنا آخر مرّة، الكلام الذي لم يُقال أخبرني أنك لن تعود، شفتاك قالت أنك عائد، يومٌ أو بضع يوم وتعود. لم تعد.
الفراق  يلتف كالحبال حول العنق والقلب يدق ككر الجياد الصافنات أملا في رؤيتك.
لماذا- يا حبيبي- أنت من بين المئات؟ أقلب الرسائل القديمة فتقلبني كأنما يتخبطني الشيطان من المّس.
أقلب خططنا المستقبلية- التي أتى المُستقبل ولم تأت، الغرفة الوردية المذهّبة- اتفقنا على لونها بعد خصام. أنا حبيبة الورد وأنت عاشق الذهبي، أسماء أطفالنا- ريم، نصر، والآخر تركناه لنسميه بمعيّة طفلينا. لمن تركت هذه الأحلام؟
ما أوجع فراقك على قلب أنثى وما أقساه. 
ذهب الذين أحبهم ذهبوا
 وبقيت مثل السيف فردا
قميصّك قدّه الوطن من دبر وما ألقاه على وجهي؛ لعلنّي أجد ريحك. 
---
تحديث:
إلى روح الشهيد محمد عمر رمّاح قبلات ودموع وبعد:
الثلاثاء، الساعة العاشرة صباحا، صالة المنزل. هناك كنت أطالع التلفاز، جاء الاتصال، مات محمد.
 تشطرّت الحياة إلى جزيئات أصغر فأصغر حتى تهاوى كل شيء في أجزاء من الثانية. حبيبي الذي قتله الوطن فيواسينا بكلمة شهيد لنغفر له ذلك، محمد قربان حريّة الوطن. 
ماذا نفعل بكل هذه المكرمات التي منحتمونا إياها جزاءا لروح حبيبي!خبر موتك كان نزعا قسريا لروحي قبل الإيذان بفراق هذا الجسد. نم، لا نامت أعين الجبناء، قبلات وورد ودمعة وحضن كبير، كبير جدا.

متى آخر مرّة ثكلت ابنك؟



  
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ هِشَامٍ ، قَالَ : قَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ ، وَهِيَ تُرَقِّصُ ابْنَهَا مُعَاوِيَةَ ، رَحِمَهُ اللَّهُ : إِنَّ ابْنِي مُعَرَّقٌ كَرِيمْ مُحَبَّبٌ فِي أَهْلِهِ حَلِيمْ لَيْسَ بِفَحَّاشٍ وَلا لَئِيمْ وَلا بِطَخْرُورٍ وَلا سَئُومْ صَخْرُ بَنِي فِهْرٍ بِهِ زَعِيم.

لطالما شغلتني هذه المرأة وأعجبني فيها قوتها وأنفتها في الجاهليّة والإسلام حيث أنها عُرفت بصلابتها وعزمها، إذا أرادت إستطاعت ونعم الإستطاعة.
مما يُذكر في سيرتها أنّه مرّ عليها يوما بعض ممن عرفوا بالفراسة، وابنها معاوية ابن أبي سفيان معها فقال لها أحدهم : إن عاش ساد قومه.
ولكن كعادتها هند الإباء لاتقبل بالقليل فردّت عليه قائلة بعزّة الواثق: ثكلته إن لم يسد إلا قومه.
أرى أن هذه الجملة لوحدها هي مدرسة في أصول التربية، فكم من أم بروح هند تربّي ابنها ليسود الناس ولا يرضيها أن يسود قومه فقط.  وكم من أم باتت تضرب كفيهّا وتندب حظها العاثر بين مقارنة أولادها بأبناء أختها وبين مماطلة زوجها ليشتري لهم أفخم الماركات وكأنها تناست إنما ثمن الإنسان الحقيقي في عقله وسداد رأيه وفصاحة لسانه. فزهٍ زهٍ لهند وربح البيع القرشيّة.

Tuesday, September 1, 2015

اقتل المُفتي الذي بداخلك!

قبل قليل كنتُ استمع لمحادثة عابرة بين فتاتين، كانت الأولى تتكلم عن إحداهن التي يخنقها لِبس النقاب(أعتقد أنّه يسمى محليا خمار أو غشوة وربما كانت هناك فروق في هيئتهما ولكن الهدف واحد: تغطية الوجه)، كانت تعيب الأخرى عليها ذلك بل وقالت نصا "أصلا سمعت إنه فَرض خلاص". لادخل لي باعتقادات الناس الشخصيّة وأنا لستُ ضِّد تغطية الوجه ولا أي شيء آخر طالما اقتنعت المرأة أنّه عورة، لكن ما أثار حفيظتي حقّا هو ثقة صاحبتنا التي "سمعت" أنه "فرضا" وعلوّا على ذلك أردفت توكيدا بـ "خلاص".
فكما هو معلوم أن الصراع في هذه القصيّة لايزال بين كّرٍ وفّر بل وليس هناك نص قرآني حاسم لهذا الأمر (وإلا لِما الخِلاف أصلا). وأنا لستُ بصدد تذكير هذه المرأة بقول ابن عبّاس والسيدة عائشة- رضي الله عنهما- في اعتباره ليس بعورة ولن تكون في حاجة بأن أهديها كتاب الألباني :" الرّد المفحم على من خالف العلماء وتشدّد وتعصّب وألزم المرأة أن تستر وجهها وكفيهّا وأوجب ولم يقنع، بأنه سنّة ومستحّب"؛ لأنها "سمعت" ولأنه "خلاص".
وهذا كلّه غيضٌ من فيض، ما بال أقوامٍ حسبوا أنفسهم النور المستنير الذي بعثه الله ليخرج الناس من الظلمات، بل والأدهى والأمّر أنهم يستلمون عقائد العامّة وهم ما عرفوا غير الذي سمعوه عن غيرهم ولو ناقشتهم في آية لبهتوا.
إعلم يا رعاك الله أن استماعك لبرنامج الفتاوي كل اثنين لايصنع منك مُفتيا، فلا تخوّل نفسك رقيبا على الناس. وكّف لسانك ما دُمت تجهل من أمامك ولاتمدّن رجليك ما لم تسبر أغوار مُحدثّك.