ومن عاداته أيضا - التي تفرضها
عليه مكانته الإجتماعية- تربية الأيتام
والفقراء مقابل خدماتهم، فهناك من يشتغل
صبّي يصب القهوة لضيوفه ويقرب لهم الطعام والبقية يعملون بيادير في مزارعه الكثيرة
ويقضون حوائج الشيخ وأقربهم فقط يكون ساعده الأيمن وبئر اسراره. رزق أبي بعشر بنات
وولدين، مات خمسة منهم ليبقى له سبع بنات يعايره بهن الأعداء وأولئك الذين يريدون
أن يقدموا بناتهم قرابين للشيخ لعلها تكون المبشرة بالشيخ الجديد.
أمي
هي آخر زوجات أبي الأربع والمدللة الأثيرة التي تثير غيرة بقية نساءه, وأنا بدوري
ابنتها الوحيدة بعد ولدين غيبتهما الحمّى التي لم يردعها اللعاب الذي نفثه المطوع
سهيل ولا الحجاب الذي طوّق به رقبتهما. فآتى ملك الموت على حين غرّة ليخطف قطعتين
من قلب أبي وأمله في ابن يحمل اسمه بعد موته.
كان عضيد أبي التجاري و أحد أكبر أثرياء
الحارة. فقد كان يملك مولدا كهربائيا يمّد أغلب بيوت مترفي القرية بالكهرباء لتنار
منازلهم ليلا بالمصابيح الكهربائية بدلا من الفنر. بل ووصل الثراء إلى حد امتلاك
صندوق بشاشة زجاجية يدعى التلفاز يطوف بنا إلى العالم فنرى أخبار حرب مصر
والانتصارات العربية الساحقة التي يتبعها تكبير أبي والجموع الملتفة حول الشاشة.
ونظرا لشدة طلب الناس وتوافدهم على منزل العم-
المطوّع سهيل، خصص التلفاز ليكون نهارا
للنساء والأطفال وفي الليل يجتمع كبار
رجالات الحارة ومترفيها متحلقين حول هذه الشاشة. ليغدو بيته متنفسا ثان –بعد مجلس
أبي- لكل أفراد الحارة.
بلغ العم سهيل من الجاه والثراء مبلغا كبيرا وكان منفتحا على العالم نظرا لسفراته المتعددة
لجلب البضائع، فكان أول من أرسل ابنه إلى
المدرسة الوحيدة في المدينة التي تبعد أميالا كثيرة عنّا. حيث يصورون لنا مباني
الطوب التي لا يهدمها السيل ونساء خرجن من بيوتهن إلى المدارس ورجالا حلقوا اللحى
واستبدلوا الغترة والعصا بكمة تطوق رؤوسهم وأقلام يحملونها في أيديهم ويعلقونها في
جيوبهم.
منذ أن كنت في العاشرة قرر أبي والعم سهيل – في سبيل توطيد العلاقات
التجارية- أن يزوجوني لمحمد أكبر أبناء العم سهيل والذي يكبرني بخمس سنين. وحيث أن
البنت لا تمكث في بيت أبيها إلا لعلّة فيها لأن " الحرمة حالها[1]
الستر" كما يعلل الآباء تزويج بناتهم ما دون الثانية عشر أحيانا ( تخلصا من
أعباء الصرف عليها وسترا لها ولأسرتها) غضب أبي غضبا شديدا بقرار محمد – بمباركه
أبيه- بإكمال الدراسة في الكويت . فكان
الأمر عصيّا على والدي إذ أن إكمال محمد لدراسته في الخارج يعني أن أمكث عنده سنين
طويلة بلا زوج مما يتيح للألسن التكلم على بنت الشيخ ومن ناحية أخرى فكثيرا ما
تغير الحواضر والدول الخارجية ذوق الأبناء فيقلبون لبنات قريتهم ظهر المجن وغالبا
ما يأتون بزوجة جديدة من البلد الذي سافروا إليه أصلا. وإذا غضب الشيخ هذا يعني أن
عائلة أكبر تاجر في القرية مهددة بإزدراء حاشية الشيخ وكل أتباعه. فما كان من العم
سهيل إلا المسارعة بإرضاء أبي وإيجاد حلا وسط.
تمخضّت
المشاورات العديدة عن عدة قرارت من أهمها – إلى جانب بقاء العلاقات التجارية كما
هي- أن يتم تزويجي من محمد في الصيف الذي يسبق سفره إلى الكويت سدا للألسن وضمانا
بعدم إمكانية التراجع في السنتين التي سيقضيها هناك.