Monday, February 15, 2016

حسيس الورق (1)

عشر ضربات يزرّق لها جلدي وجلَدي هي الجزاء الذي أناله بعد أي تلكؤ في ترديد سورة "عمّا" التي نرددها أكثر من عشرين مرة في اقل من ساعة، في أرض جرداء إلا من حوائط مهترئة من السعف الذي يتهاوى من أول زخة للسيل.
 تشكل المْعلمّة المحكّ الذي يمّر به كل أطفال الحارة مسويّة بذلك ما تبقى فيهم من عنجهية الطفولة وتمردها. كما أنها  أشد الأسلحة فعالية في تهديد الأمهات لأطفالهن الذين يتمنعون عن النوم بسهولة،  فيغفون- تحت ضغط التهديد- خوفا من أن  يتراءى لهم شبح المعلمة مويز وهي تهوي بعصا الزور على يديهم الغضّة أو تحدجهم بنظراتها الصارمة أو تلك الخفية التي ما فتئت المعلمة العجوز بإقناعهم بأن لديها عينان مركبتان في ظهرها ، فلا يخفى عليها من أمرهم شيء، تراهم حتى وهي مولية دبرها؛ لتزيدهم خوف فوق خوف منها.
 ولاريب في أن السويعات التي نقضيها تارة في حفظ قرآن لانفقه منه شيئا وتارة في مساعدتها - خلسة عن الوالدين- في أعمالها المنزلية،  أشد إيلاما من  الكي الذي يستعمله الشيخ في علاج مرضاه؛ إذ أن مويز بأسنانها المنفلجة و البدلة[1] التي منذ عرفتها وهي لم تفارق أنفها الأفطس،  طويلة القامة كثيرة الشحم، بليسو[2] أسود مغبّر وثياب تميل إلى الأخضر دائما بدوائر مبهرجة كانت مصدر رعب لكل أطفال الحارة وهي الشّر الذي لابد منه في حياة كل طفل (وبالغ لاحقا).
بالرغم من أنني كنت الأكثر كدحا في أعمالها المنزلية: أخض اللبن وأحمل أوانيها الصدئة إلى الفلج وأنظفها بليف النخيل الذي يحيل يدي إلى خصفة شديدة القسوة وظهري كالعرجون القديم، إلا أنها كانت أول من وشى بي. لم يشفع لي عندها كدحي ولا صبري على تسلطّها المقيت؛ إذ كان من واجبات المْعلمّة - بالإضافة إلى التعليم غير الممنهج واستعمالنا لقضاء حوائجها- هو أن تكون عين علينا؛ فهي لسان القرية الذي الذي لايفتئ أن يلوك أسرارك وقصصك إلى جميع الجيران والحواري المجاورة وأكاد أجزم أنها أكثر تفانيا في نشر  الأخبار أكثر من الراديونفسه. وبإضافات تجعل من الذنب البريء سبعا موبقات.
 أما في المنزل فالأب كان بلحية طويلة كثة شديدة السواد كأنها الليل في دهماءه وعينين غائرتين زادهما هالة الأثمد الذي يستعمله قبل النوم كل ليلة.
 كان مجلسه عامرا؛ فالسبلة يتجمع فيها أعيان القبيلة والضيوف وقلما من العرعروت مع الخبز الرقاق الذي تتناوب على صنعه زوجاته الأربع وبناته أما القهوة فوجودها شيء أساسي وخصوصا في بيت الشيخ فما من دليل على الكرم وحسن الضيافة أجلى منها.
 ومن عاداته أيضا - التي تفرضها عليه مكانته الإجتماعية-  تربية الأيتام والفقراء مقابل خدماتهم،  فهناك من يشتغل صبّي يصب القهوة لضيوفه ويقرب لهم الطعام والبقية يعملون بيادير في مزارعه الكثيرة ويقضون حوائج الشيخ وأقربهم فقط يكون ساعده الأيمن وبئر اسراره. رزق أبي بعشر بنات وولدين، مات خمسة منهم ليبقى له سبع بنات يعايره بهن الأعداء وأولئك الذين يريدون أن يقدموا بناتهم قرابين للشيخ لعلها تكون المبشرة بالشيخ الجديد


[1] قطعة غالبا تكون من الذهب استمدت من الثقافة الهنية توضع على الأنف
[2] الاسم المحلي لغطاء الرأس

No comments:

Post a Comment