Sunday, August 30, 2015

شكرًا لساعي البريد

 .الأمرُ يشبه الممسحة النظيفة التي تُزيل الغبش عن عدستيك فتصطلح نظارتّك ليصطلح نظرك لتأتي الصورة دقيقة وواضحة، إنها الكتابة. 
اكتب لأنني أرى نفسي بوضوح حينما أفعل ذلك، فالكتابة ترتيب أفكار وجمل مؤنقة كانت كلمات فوضوية في عقلي.لطالما لازمني حب هذه الهواية ، أو حُبّ من يهتويها.
لم يُعرف للحضارات شاهد خيرٌ وأبقى من كتاباتها التاريخية، مارس الإنسان عبر العصور الكتابة ليثبت مليا أن الكتابة ليست مجرّد حديثُ حبرٍ بل أنها مسامير تثبت شعور الإنسان والمُحرر لكبت اللسان.
أكتب، حتى لو بدا لك الأمر سخيفا وغير مستحق للكتابة، فإنها عناق الكسير وطب العليل وشفاء السقيم.
لستُ ملينيا لكافكا ولا غادة لغسّان ولكنني حقا أشتهي رسالة قلبيّة مطولّة تكتب لي خطيّا- بقلم أزرق فرنسي-بعيدا عن ترهات التكنلوجيا. أطير فرحا باستقبالها، أدسّها -خِلسة- بين طيّات ملابسي، أشتمهّا إذا ما هزنّي الشوق. رسالة بورق مخطّط يمّر عليها العُمر فتصفّر معي.لكنني لست غادة ولا ميلينيا

Monday, August 24, 2015

إن لم ترسلها،فأبليس قد منعك!


في خضّم الثورة التكنولوجية،وبينما يتقيأ العالم الكوارث والحروب، ليس هنالك ماهو أسهل من نشر الأخبار أو بصورة أدّق "الشائعات".
الناس لم تعد تملك الوقت الكافي للتأكد من صحة الخبر،همهم إتحاف الأصدقاء بآخر الأخبار،الأدهى من ذلك أن هذه الظاهرة ليست محصورة على فئة محددة من المجتمع،فشائعات  الواتس آب تنهمر علينا من كل الفئات(موظفون-طلبة آكاديميين-طلاب المدارس) وكأن الناس-جُلُّ الناس-تحولوا لنشرات إخبارية متحرّكة!
إنه لمن المُحزن حقا أن يستمد المجتمع ثقافته من برامج التواصل الإجتماعي،خصوصا برنامج الواتس آب حيث يكادُ لايخلو هاتف منه،ومصادر الخبر فيه مجهولة غالبا.
لا أعلم إن كنا نستطيع أن نطلق عليها ثقافة حقيقية،إنني أرى أنها مجرّد ثقافة كرتونية تزول مع أول هبّة ريح.
فرسائل الشائعات السياسية والإجتماعية تتلاشى كسحابة صيف من أول إثبات .لتناقضها إعلاميا أو مصدر آخر موثوق في تويتر وغيره 
المثير للعجب حقا هو كمية الرسائل التي تصل عن أدوية شعبية تشافي أخطر الأمراض كإيبولا والسرطان والسكري-والعياذ بالله- بل ويقسم المُرسل-أغلظ الأيامين-أنها تشفي وفعالّة، ولعله تفائل أكثر وقال أنها من أول استخدام تزيله تماما،نعم،أنا أؤمن بقوّة الطب الشعبي وأنه ما من داء إلا وله دواء بإذن الله،ولكن من المجحف أن تتدارس المراكز الطبية الغربية المرض وطرق علاجه ولم تتوصل إلى حل فعّال إلى الآن فما بالك بالشفاء من أول استخدام،بينما لدينا يكتفون بذكر اسم مؤلف الوصفة وغالبا يكون له صيت ديني، وكأنه عصا سحرية تشفي من كل شي بمجرد "تخريف"وصفة طبية ومباركتها ببعض الأدعية واستحلافك بإرسالها طبعا!
وهذا كلّه غيضٌ من فيض،فكلكم تعلمون مدى جسامة الأمر،ومدى غرابة الشائعات التي يكاد لايصدقها عاقل!
أتمنى من أعماقي حقا أن يكف المجتمع عن إرسال الرسائل التي لاتسمن ولاتغني من جوع،وأن نعود إلى الكتب مجددا،فنحن أحفاد السالمي والعوتبي والفراهيدي-رحمهم الله جميعا-وسنعود أقوياء بعقولنا،غدا أو بعد غد.

Tuesday, August 18, 2015

هذا مرض، مخفي.

"هذا الإكتئاب يشج وريدي  ببطء فيعود فيداويه، إنه قاتل.
لا، أنت  لاتفهم، لايُشبه حزنك طفلا على تحطّم لعبتك المفضلّة كأداة حرب من أمك على أبيك ولا يُشبه فقدانك لعائلتك -كلها- في حادث سيارّة فظيع ، إنه شيء آخر، كل شيء رمادي، الاكتئاب لايشوبه حزن   أو قلق إنه شعور خام فقط اكتئاب وحياة رمادية بعينين مفتوحتين لأكثر من ٣٠ ساعة. ألم أخبرك إنه يشبه الموت؟ لكنك لاتموت، روحك تعبث بك في كل مرّة ولاتنفْق كما يعبّر الحوت عن امتعاضه على إمبراطورية البحر. كنت سأنتحر، قررت الذهاب للموت بنفسي هذا المرّة لكن تراجعت في آخر لحظة. جسدّي جيّد -لولا علامات السهر والتعب كأم  لعشرة أولاد- لكنّ روحي مهشمّة، هذا لايصدقّه العامّة. يظنونه ترهات فتاة حمقاء أو أنه قلّة صلاة بل سيتحمّس البعض أكثر ويرشدك لترك سماع الأغاني، لكنك مريض ولا أحد يفهم ذلك."

Monday, August 10, 2015

مذكرات يغشاها مذكرات

جُلُّ محاولات صبّي في القالب باءت بالفشل، لم أكن الطفل الذي تحلم به الأسر المُترفة، فما بالك بالأسر التي بالكاد تجُد ما تسكت به جوعها؟
لم أكن طفلا خارقا للعادة ولم أكن طفلا عاديّا، كنت أحمق. الطفل الذي حتى ببلوغه العشرين يثير دهشته كل شيء ويرغب بتفسير كل شيء. بداية بالأسئلة التي يهرب الآباء من إجابتها، مع أنها سهلة، لكنها غير قابلة للشرح.
" كيف جئت؟" أكثر الأسئلة الواقعية والمُخيفة لمجتمع تعوّد أن يُلجم السائل.
كنتُ سريعُ الفهم حاذق المعرفة لكنني أحمق، تخبرني معلمّة الإسلامية أن اذهب بكيس أسود يحتوي على ما طاب ولّذ من الحلويات لبيعه- وهو أمر يثير غضب المديرة- لتوشوش في أذني أن أقول أنها أرسلتني لوضعه في غرفتها في حال قابلت المديرة، "لكنه كذب، والكذب حرام يودي بك في جهنم" سؤال ينّز في رأسي فأخرِسه خشية خسران أرفع المهمّات: القيام بأعمال المعلمّة. 
كنت لا أبكي، صلابة لا أدري كيف يكتسبها طفل السابعة، حتى حينما تدحرجت إثر دفع صديق لثلاثة أمتار ليرتطم رأسي بالعامود الحديديّ  لم أبكي. كانت الدموع تُشكّل عينا مائية قابلة للإنفجار في أي لحظة ، لكني لم أبكي، خفتُ من سخرية الأطفال- وهي أشّد مضاضة من وقع الحسام المهنّد-بلعتُ غصتّي وتظاهرت بأنه أمر مضحك. كنتُ ذلك النوع من الأطفال الذي يُصّر على معلّم العلوم بأنه يرى الهواء رأي العين ضاربا بكّل النظريّات الفيزيائية عرض الحائط، فيقنعه المعلّم مرتين بالقول اللين  والثالثة يهددّه بالطرد إن لم يتكتّم على نظريته المهرطقة. اكتشف الطفل بعد ٩ سنوات أنّه يعاني من نقص نظر فيرى الناس تحيطهم هالة من الضبابية خالها يوما هواء يُرى.
لم تكن المراهقة أفضلُ حالا، لم يحصل على لاعب مفضّل يقاتِل الجموع من أجله ولا حتّى فريق يضحّي بنومه من أجل مباراته النهائية، كان كئيبا لمن حوله يقضي يومه إما فالمذاكرة وإما مبحلقا في شاشة حاسبه الآلي، كان المُراهق الذي يأخذ واجبات أصدقائه ليستمتع بحلهّا لهم في حجرته، ناسيا أنّه كان يمثل لهم المتفوّق الأحمق وكانوا يمثلون له الأغنياء الأغبياء. 

Saturday, August 8, 2015

ذريّة في مهّب الذرى

لكنه مات. لم يكن أهلا لهذه الحياة، الحياة التي قدمت فيها كل ما أملك لأجل الحصول على ما لم أملكه قّط.
هذا البطن عديم الفائدة، خواءٌ وعدم، كل الابتهالات على مدى عشرين سنة ولم يأتِ الجواب، كل النداءات الخفيّة بـ " يا رب إنّ هذا الكون بعظمته لم يعجزك فارزقني نُطفة لا أظمأ لمولودٍ بعدها أبدا" لكننّي لم أكن سارة والزوج لم يكن زكريا. انتبذت من أهلي وخاصتّي مكانا قصيّا تحايلت الغثيان كي يأتي ولا يأتي، نظرات الشفقة سكاكين تنشُز ما بقي من جَلَدي ولا تأتي!
لماذا.. يا إلهي.. يتعيّن عليّ أن أكون الجزءَ العاقرَ من هذا الكون، الآلة المعطوبة ،البئر الخاوية زادتك عطشا وما رويت.
كل الخلطات والمأكولات تناولتها - مهما كانت نسبة فعاليتها- بلا كلل ولا ملل، حفظ وجهي كُلُّ أطباء النساء والولادة فتحققّت الأولى ولم تأتِ الولادة.
لم أتوانى ولو للحظة في شرب كل المياه المقروء فيها  المُقدمّة من أمّي وكُل صديقاتها ولكن بطنّي كأنه قد خُلق لكّل شيء إلا وظيفته الحيويّة التي جُبلت عليها كُل بنات حواء.
عشر سنوات من الرمادة وأتيت أخيرا، ولم تخرج مصحوبا بهالة من نور كما ظننتك مطولّا ولم يتهافت عليّ الأطباء لرؤية الطفل المعجزة. كل ما حصل هو أنك خرجت نيئا قبل موعدك بأربعة أشهر وميتّا كسمكة نافقة، تهافت الأطباء حولي ولكن لإنقاذ ما تبقّى من حياتي ونسوا روحي المتهشمّة في قبرك.

هويتُ فهويتُ في وادٍ سحيق

هذا الثقب في روحي يتسع ليصبح كُلّ شيء آخر سحيق، ذرات لاتُرى إلا بعد تكبيرها الآف المرّات بالمجهر. أغدو لاشيء أمام جبروت الزوبعة العملاقة في روحي، يتلاشى كل شيء فيّ لأغدو مجردّة من كل شيء عدا الفقْد. أفقدك. بشدة، أكثر من كل شيء في العالم. لست جواز سفر ولا بطاقتّي الجامعيّة، ليس بإمكاني زيارة أقرب جهة حكومية ودفع ضريبة بدل فاقد فيستخرجوا لي أنتَ جديدا وناصعا كما ولدتك أمك. لم يكن خطأئي، ليس الفِراق على الأقل.
 كنتُ جيدّة و فعالّة لما تريد،لكنك رحلت.
 لم يعد هذا الكون يُعنيني، تكورّتُ على نفسي كجنين ناشئ فأجهضتني الحياة قبل اكتمال أي شيء. كنتَ قمرا بدون جانبٍ مظلم، كل شيء فيك كان قد أُعّد ليعجبني، بلا اعتراضات ولا غلطة، عدا تلك التي تأتي مشاكسة. لكنك رحلت.

النخيل لا يُثمِرُ في أوربا

القاعة نصف مستديرة، والأبصار تترقّب وأنا فالمنتصف. كلُّ العيون مبحلقة من جميع الزوايا  أمامي وعلى مدار١٨٠ درجة. أقف أمام الدفعة٥٨ من كليّة الهندسة في جامعة . وجوه تكاد تكون أغلبها شقراء إلا فيما ندر من الوجوه السمراء - التي أعرفها جيدّا- بصقتهم أوطانهم نيئين لا يتجاوزون الثامنة عشر لإكمال البكالريوس. أقف بصفتي المواطن الأمريكي عميد كليّة الهندسة مُلقيا كلمة ترحيبيّة للدفعة الجديدة. كان الخطاب من تلك الخطابات التي تؤدى لأجل الاداء ولا مستمعين. كنت ألوك الكلام بإنجليزيّة مُتقنه لايعرفها إلا مَن أفنى عمره آكلا من خيرات العم سام. مضى الخطاب سريعا، لايتجاوز الثلث ساعة، لم يلفت نظري سوى وجه واجم وبزّة رثّة، الوجه قمحّي أعرف كنهه تماما. كان كمن بُعث من مرقده، يحاول جاهدا ألا يفوته شيئا من زخارف القاعة ولا الوجوه المارّة أمامه، لكنه كان متشبثّا بكرسيّه كما يمسك طفل الخامسة بذيل ثوب أمه في أكثر الشوارع ازدحاما. انصرف الطلبة وبقي عابثا بهاتفه، كنتُ أرى فيه رهبة الغريب فحدثتنّي نفسي بملاطفته أو ربمّا لأنني رأيت فيه نفسي قبل ٣٥ سنة، قروّي جدّا، رّث الهيئة، وجاهلا الإنگليزيّة حتى ما يعينني على قضاء أبسط متطلبات العيش.

" إنّه ليحزنني أن تذهبوا به".

هذا العلاقة تشهد تداعياتها الأخيرة، كان واضحا جدّا؛ ندرة الحديث إلا لماما، القلب صديء وكتلٌ لاتحصى من الثلوج تراكمت على بابه، وهذا الثلج سيتجمّد أكثر ويصيرُ جليدا، لا يُزال إلا بوقع المعاوِل والحديد.
لكنّي أُريدك! وأعض على هذه العلاقة بالنواجذ ما استطعت لتبقى. أكذب حين أقول :" خسِرنا كُلّ شيء"، بقي الحُب. أحبّك رغم كل ما فعلته! تصوّر. وأحافظ على هشاشة هذه العلاقة، وأنت يا أنت ما أقساك!
أتسائل، مالذي يُحيلُ قلبَ رَجُلٍ إلى صفوانٍ غير ذي مسامٍ نافذ إليّ بين عشيّة وضحاها. يا إلهي إن هذا القلب منكسر وإنه لكاسره فصبرنّي صبرا جميلا وألقِ عليّ قميصه ولو تعريضا بعطرِه فإني كاظمة لحبّه وخسرِه وهُجراته وما ابيضّت عيناي حُزنا. إنهم يرونه بعيدا ونحنُ نراه قريبا فكما أخرجتني من قلبه اجعل لي فيه مُدخل صِدق يا جبر القلوب وشاهد على دمعة المظلوم. أنا انكسر إنّه لايعود.