Saturday, August 8, 2015

النخيل لا يُثمِرُ في أوربا

القاعة نصف مستديرة، والأبصار تترقّب وأنا فالمنتصف. كلُّ العيون مبحلقة من جميع الزوايا  أمامي وعلى مدار١٨٠ درجة. أقف أمام الدفعة٥٨ من كليّة الهندسة في جامعة . وجوه تكاد تكون أغلبها شقراء إلا فيما ندر من الوجوه السمراء - التي أعرفها جيدّا- بصقتهم أوطانهم نيئين لا يتجاوزون الثامنة عشر لإكمال البكالريوس. أقف بصفتي المواطن الأمريكي عميد كليّة الهندسة مُلقيا كلمة ترحيبيّة للدفعة الجديدة. كان الخطاب من تلك الخطابات التي تؤدى لأجل الاداء ولا مستمعين. كنت ألوك الكلام بإنجليزيّة مُتقنه لايعرفها إلا مَن أفنى عمره آكلا من خيرات العم سام. مضى الخطاب سريعا، لايتجاوز الثلث ساعة، لم يلفت نظري سوى وجه واجم وبزّة رثّة، الوجه قمحّي أعرف كنهه تماما. كان كمن بُعث من مرقده، يحاول جاهدا ألا يفوته شيئا من زخارف القاعة ولا الوجوه المارّة أمامه، لكنه كان متشبثّا بكرسيّه كما يمسك طفل الخامسة بذيل ثوب أمه في أكثر الشوارع ازدحاما. انصرف الطلبة وبقي عابثا بهاتفه، كنتُ أرى فيه رهبة الغريب فحدثتنّي نفسي بملاطفته أو ربمّا لأنني رأيت فيه نفسي قبل ٣٥ سنة، قروّي جدّا، رّث الهيئة، وجاهلا الإنگليزيّة حتى ما يعينني على قضاء أبسط متطلبات العيش.

No comments:

Post a Comment