Thursday, December 10, 2015

صفر درجة سيليزية

"
تثاءب المساء ، والغيومُ ما تزالْ
تسحُّ ما تسحّ من دموعها الثقالْ ."
يعتقد بدر السياب أن سماؤه تبكي بدموع تبشّر بالخصب طالما أنه "ما مّر عام والعراق ليس فيه جوع" وتعتقد التُركية الكاتبة إليف أن السماء تبصق علينا لعناتها.
مطر..مطر..مطر
أتعلمين أي حزن يبعث المطر؟
يبدو المطر شيئا حالما لاولئك الغارقين في الرومانسية بينما يبدو لي صاخب مهيّج كما الحكّة على جرحٍ قديم، أقبع في الغرفة بمفردي في بلد تصل فيه الحرارة بأدنى سوالب الآحاد، أراقب الآخرين وهم يستعدون للكريسمس، أقضم قلبي.
أشتاقك، متى مّت؟
٢٣/١٢/٢٠١٣
هكذا تقول الأوراق الثبوتية، لكني -وتعرفني جيدا فيما يتعلق بالاقتناع- لا أصدق، ستعود. لابد أن تعود!
أكره الغربة، بت أكرهها وهي الأخرى لا بد أنها تكرهني.
يحسدنا أولئك الذين يدرسون في كنف بلدانهم ويعودون لأحضان والديهم متى أرادوا. رجاءً - وپليز كما تحبوها-  خذوا البرد والثلج والكريسمس و اعطوني لمة الأهل على عشاء غير شهّي وأطفال يشاغبون فلا تهنأ بلقمة.
كيف يشعر الوحيد فيه بالضياع؟
قلبّت ديوانا استعرته من مكتبة المدرسة لبدر السيّاب، كنتُ- كعادة المراهقة إذ يعجبها شيئا- أظن أنه كتب لي، كل قصائده لي.
لم يرقني الديوان ولم أخرج من بدر سوى بأنشودة المطر في كتاب الثاني عشر
ومقطعٌ وُضع لنعربه في الصف العاشر:
"انتصف الليل ، فاطو الكتاب 
عن الريح و الشمعة الخابية
فعيناك لا تقرآن السطور 
و لكنها العلة الواهية
فأنت ترى مقلتيها هناك 
و ذكرى من الليلة الماضية
فتطوي على ركبتيك الكتاب 
و ترنو إلى الأنجم النائية"

يؤجج هذا الشتاء الحنين، ولأنك أمضيت في الغربة أكثر من ثلاث سنوات لا يُتوقع منك أن تتصل خمس مرّات في اليوم؛ إلا إن كنت ستموت في مساء اليوم.
كالحب، كالأطفال كالموتى-هو المطر!
أكره الكُنز الصوفيّة، وتصيبني بالحكّة.
أكره الاختبارات لأنه ما صار عندي أحد يوعدني إنه نقضي الإجازة كلها سهر.
والله كل يوم أسهر، متى تجي؟


فيرجعُ الصّدى
كأنّه النشيجْ 

Friday, November 27, 2015

خَشْ

لا أتجاوز الشعورُ يا الله.
 أنا هشّة، كأوراق الخريف المتساقطة التي لا زلت أستلذ خشخشتها تحت وقع قدمي. لم أتجاوز موت الأخ؛ حين إعلان النبأ كان أمامي خيارين( تلك الخيارات التي نختارها فتبقى للأبد) إما أن أقضي أيام العزاء بين نَوح وبكاء أو التظاهر بالجلد. اخترت الثانية لأن الموت كان أفجع من دموع تُسال. بقي موته حبيس قلبي إلى هذه اللحظة، كل الدموع التي انهلّت والنساء المتشحات السواد اختزلتهن في قلبي، لم أتجاوز الموت وإنما استحضره في أي لحظة وفي المنامات أحيانا.
لم أتجاوز فُرقى خالد وماجد، أصدقاء الابتدائي، ولم يستوعب عقلي "عيب" ولا "كبرتوا" لأن ألعاب الصبيان أحلى وصداقتهم تروقني. بلغت الرابع والعشرين ولا زال خالد وماجد يرتعان في قلبي، لازلت اسمع بقايا تصادمات كُور التيل والألعاب الصبيانية الماكرة.
قلبي مُستودع قديم، مهما تنكرّت للماضي فإن الذكريات تنهال، ومهما بُنيت أعشاش العنكبوت وتراكم الغبار فإن الذكريات لا تضمحل وإن تآكلت بفعل تعرية الزمن.

هشيم

"هذا العلاقة تشهد تداعياتها الأخيرة، كان واضحا جدّا؛ ندرة الحديث إلا لماما، القلب صديء وكتلٌ لاتحصى من الثلوج تراكمت على بابه، وهذا الثلج سيتجمّد أكثر ويصيرُ جليدا، لا يُزال إلا بوقع المعاوِل والحديد.
لكنّي أُريدك! وأعض على هذه العلاقة بالنواجذ ما استطعت لتبقى. أكذب حين أقول :" خسِرنا كُلّ شيء"، بقي الحُب. أحبّك رغم كل ما فعلته! تصوّر. وأحافظ على هشاشة هذه العلاقة، وأنت يا أنت ما أقساك!
أتسائل، مالذي يُحيلُ قلبَ رَجُلٍ إلى صفوانٍ غير ذي مسامٍ نافذ إليّ بين عشيّة وضحاها. يا إلهي إن هذا القلب منكسر وإنه لكاسره فصبرنّي صبرا جميلا وألقِ عليّ قميصه ولو تعريضا بعطرِه فأنا كاظمة لحبّه وخسره وهُجراته وما ابيضّت عيناي حُزنا. إنهم يرونه بعيدا ونحنُ نراه قريبا فكما أخرجتني من قلبه اجعل لي فيه مُدخل صِدق يا جبر القلوب وشاهد على دمعة المظلوم. أنا أنكسِر؛ إنّه لايعود

Friday, October 16, 2015

البرلمان والبر والمزيون!

أيام قليلة تفصلنا عن الحدث الذي يبلور الأسلوب الذي تتبعه السلطنة في ديمقراطيتها: الشورى.
ليس اتباع سياسة الشورى يعني أننا وصلنا إلى مصاف الدول الديمقراطية العظمى وليس وضعنا لكلام منمّق يستشهد بـ "وشاورهم في الأمر" يعني أننا نمارس العمل البرلماني بحذافيره.
فالدائرة تضيق وتتسّع حول الشورى والديمقراطية، وعلى كل حال أرى أننا لانزال في أول الطريق وهناك الكثير من العوائق التي لا زالت تعسّر ولادة أجيال مؤمنة بالشورى ومجلس يؤمن بناخبيه.
كما هو معلوم أن الأسرة لاتزال تحت سلطة الأب فهو الشيخ المصغّر لبيته والبقية أتباعه وكذا الحال في الولايات بشكلٍ عام فترى كل قبيلة تتسلّط على أفرادها بترشيح من يريدونه منهم ولو لم يكن بالمؤهلات الأكفى.  الصور منتشرة في كل مكان مُذيلة بشعر يصف أمجاد المرشح وعراقة نسبه حتى يُخيّل للرائي أننا بصدد اختيار فارس للقبيلة وليس مرشح ليتحدث بأصوتنا للحكومة.
ليس هذا وحسب، بل أن أفراد القبيلة الواحدة يصرون على اختيار ابن قبيلتهم لأنه "يستاهل"، والأمر أكثر شدة بالنسبة للتكتلات المذهبية والعرقية الأخرى.
للأسف لا زالت الثقافة البدويّة وأعرافها تحكمنا ولا زال صوت القبيلة يتجاذبنا يمنة ويسرة، حتى لتجد أنك لتقابلن أعتى الخصومات من أفراد قبيلتك لو صرحّت بترشيحك لشخص تراه أكثر صلاحا لتمثيل صوتك. فترى أهل المرشّح وذويه كأنما يتخبطهم الشيطان من المّس فتارة ينشرون أجزل الأشعار في مدح سعادته المنتظر وتارة سعيهم في استقطاب أكبر شريحة من المجتمع وخصوصا النساء في التصويت بدون أدنى توضيح لبرنامجه الإنتخابي سوى أنهم يحتاجون "فزعة" ولأنه "يستاهل".
الوطن يا أصدقاء لا يحتاج لأنسابكم ولا مكارمكم، نحن نريد من هم على استعداد للتضحية من أجل تطوير الوطن وفق خطط استراتيجية معقولة، مرشحكم هو انعكاس لولايتكم فانظروا من أنتم مرشحين.

Sunday, September 20, 2015

حبيبي مات، انتصر الوطن.

إلى م.ع.ر
قميصك مُضرّج بالدم ويداك ملطختان ببقايا أُناس لن يعودوا، قتلتهم كي تنتصر، تنتصر البلاد، لا يهّم. أحدكما كان يجب أن يموت كي ينتصر الآخر.
--
إلى الجندي بعين كلون العسل وكأن الناظر إلي مُقلتيك يهيم في وادٍ سحيق، إلى الشّج العرضي تحت الشفة السفليّة، عُد.
حينما ودعتنا آخر مرّة، الكلام الذي لم يُقال أخبرني أنك لن تعود، شفتاك قالت أنك عائد، يومٌ أو بضع يوم وتعود. لم تعد.
الفراق  يلتف كالحبال حول العنق والقلب يدق ككر الجياد الصافنات أملا في رؤيتك.
لماذا- يا حبيبي- أنت من بين المئات؟ أقلب الرسائل القديمة فتقلبني كأنما يتخبطني الشيطان من المّس.
أقلب خططنا المستقبلية- التي أتى المُستقبل ولم تأت، الغرفة الوردية المذهّبة- اتفقنا على لونها بعد خصام. أنا حبيبة الورد وأنت عاشق الذهبي، أسماء أطفالنا- ريم، نصر، والآخر تركناه لنسميه بمعيّة طفلينا. لمن تركت هذه الأحلام؟
ما أوجع فراقك على قلب أنثى وما أقساه. 
ذهب الذين أحبهم ذهبوا
 وبقيت مثل السيف فردا
قميصّك قدّه الوطن من دبر وما ألقاه على وجهي؛ لعلنّي أجد ريحك. 
---
تحديث:
إلى روح الشهيد محمد عمر رمّاح قبلات ودموع وبعد:
الثلاثاء، الساعة العاشرة صباحا، صالة المنزل. هناك كنت أطالع التلفاز، جاء الاتصال، مات محمد.
 تشطرّت الحياة إلى جزيئات أصغر فأصغر حتى تهاوى كل شيء في أجزاء من الثانية. حبيبي الذي قتله الوطن فيواسينا بكلمة شهيد لنغفر له ذلك، محمد قربان حريّة الوطن. 
ماذا نفعل بكل هذه المكرمات التي منحتمونا إياها جزاءا لروح حبيبي!خبر موتك كان نزعا قسريا لروحي قبل الإيذان بفراق هذا الجسد. نم، لا نامت أعين الجبناء، قبلات وورد ودمعة وحضن كبير، كبير جدا.

متى آخر مرّة ثكلت ابنك؟



  
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ هِشَامٍ ، قَالَ : قَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ ، وَهِيَ تُرَقِّصُ ابْنَهَا مُعَاوِيَةَ ، رَحِمَهُ اللَّهُ : إِنَّ ابْنِي مُعَرَّقٌ كَرِيمْ مُحَبَّبٌ فِي أَهْلِهِ حَلِيمْ لَيْسَ بِفَحَّاشٍ وَلا لَئِيمْ وَلا بِطَخْرُورٍ وَلا سَئُومْ صَخْرُ بَنِي فِهْرٍ بِهِ زَعِيم.

لطالما شغلتني هذه المرأة وأعجبني فيها قوتها وأنفتها في الجاهليّة والإسلام حيث أنها عُرفت بصلابتها وعزمها، إذا أرادت إستطاعت ونعم الإستطاعة.
مما يُذكر في سيرتها أنّه مرّ عليها يوما بعض ممن عرفوا بالفراسة، وابنها معاوية ابن أبي سفيان معها فقال لها أحدهم : إن عاش ساد قومه.
ولكن كعادتها هند الإباء لاتقبل بالقليل فردّت عليه قائلة بعزّة الواثق: ثكلته إن لم يسد إلا قومه.
أرى أن هذه الجملة لوحدها هي مدرسة في أصول التربية، فكم من أم بروح هند تربّي ابنها ليسود الناس ولا يرضيها أن يسود قومه فقط.  وكم من أم باتت تضرب كفيهّا وتندب حظها العاثر بين مقارنة أولادها بأبناء أختها وبين مماطلة زوجها ليشتري لهم أفخم الماركات وكأنها تناست إنما ثمن الإنسان الحقيقي في عقله وسداد رأيه وفصاحة لسانه. فزهٍ زهٍ لهند وربح البيع القرشيّة.

Tuesday, September 1, 2015

اقتل المُفتي الذي بداخلك!

قبل قليل كنتُ استمع لمحادثة عابرة بين فتاتين، كانت الأولى تتكلم عن إحداهن التي يخنقها لِبس النقاب(أعتقد أنّه يسمى محليا خمار أو غشوة وربما كانت هناك فروق في هيئتهما ولكن الهدف واحد: تغطية الوجه)، كانت تعيب الأخرى عليها ذلك بل وقالت نصا "أصلا سمعت إنه فَرض خلاص". لادخل لي باعتقادات الناس الشخصيّة وأنا لستُ ضِّد تغطية الوجه ولا أي شيء آخر طالما اقتنعت المرأة أنّه عورة، لكن ما أثار حفيظتي حقّا هو ثقة صاحبتنا التي "سمعت" أنه "فرضا" وعلوّا على ذلك أردفت توكيدا بـ "خلاص".
فكما هو معلوم أن الصراع في هذه القصيّة لايزال بين كّرٍ وفّر بل وليس هناك نص قرآني حاسم لهذا الأمر (وإلا لِما الخِلاف أصلا). وأنا لستُ بصدد تذكير هذه المرأة بقول ابن عبّاس والسيدة عائشة- رضي الله عنهما- في اعتباره ليس بعورة ولن تكون في حاجة بأن أهديها كتاب الألباني :" الرّد المفحم على من خالف العلماء وتشدّد وتعصّب وألزم المرأة أن تستر وجهها وكفيهّا وأوجب ولم يقنع، بأنه سنّة ومستحّب"؛ لأنها "سمعت" ولأنه "خلاص".
وهذا كلّه غيضٌ من فيض، ما بال أقوامٍ حسبوا أنفسهم النور المستنير الذي بعثه الله ليخرج الناس من الظلمات، بل والأدهى والأمّر أنهم يستلمون عقائد العامّة وهم ما عرفوا غير الذي سمعوه عن غيرهم ولو ناقشتهم في آية لبهتوا.
إعلم يا رعاك الله أن استماعك لبرنامج الفتاوي كل اثنين لايصنع منك مُفتيا، فلا تخوّل نفسك رقيبا على الناس. وكّف لسانك ما دُمت تجهل من أمامك ولاتمدّن رجليك ما لم تسبر أغوار مُحدثّك.

Sunday, August 30, 2015

شكرًا لساعي البريد

 .الأمرُ يشبه الممسحة النظيفة التي تُزيل الغبش عن عدستيك فتصطلح نظارتّك ليصطلح نظرك لتأتي الصورة دقيقة وواضحة، إنها الكتابة. 
اكتب لأنني أرى نفسي بوضوح حينما أفعل ذلك، فالكتابة ترتيب أفكار وجمل مؤنقة كانت كلمات فوضوية في عقلي.لطالما لازمني حب هذه الهواية ، أو حُبّ من يهتويها.
لم يُعرف للحضارات شاهد خيرٌ وأبقى من كتاباتها التاريخية، مارس الإنسان عبر العصور الكتابة ليثبت مليا أن الكتابة ليست مجرّد حديثُ حبرٍ بل أنها مسامير تثبت شعور الإنسان والمُحرر لكبت اللسان.
أكتب، حتى لو بدا لك الأمر سخيفا وغير مستحق للكتابة، فإنها عناق الكسير وطب العليل وشفاء السقيم.
لستُ ملينيا لكافكا ولا غادة لغسّان ولكنني حقا أشتهي رسالة قلبيّة مطولّة تكتب لي خطيّا- بقلم أزرق فرنسي-بعيدا عن ترهات التكنلوجيا. أطير فرحا باستقبالها، أدسّها -خِلسة- بين طيّات ملابسي، أشتمهّا إذا ما هزنّي الشوق. رسالة بورق مخطّط يمّر عليها العُمر فتصفّر معي.لكنني لست غادة ولا ميلينيا

Monday, August 24, 2015

إن لم ترسلها،فأبليس قد منعك!


في خضّم الثورة التكنولوجية،وبينما يتقيأ العالم الكوارث والحروب، ليس هنالك ماهو أسهل من نشر الأخبار أو بصورة أدّق "الشائعات".
الناس لم تعد تملك الوقت الكافي للتأكد من صحة الخبر،همهم إتحاف الأصدقاء بآخر الأخبار،الأدهى من ذلك أن هذه الظاهرة ليست محصورة على فئة محددة من المجتمع،فشائعات  الواتس آب تنهمر علينا من كل الفئات(موظفون-طلبة آكاديميين-طلاب المدارس) وكأن الناس-جُلُّ الناس-تحولوا لنشرات إخبارية متحرّكة!
إنه لمن المُحزن حقا أن يستمد المجتمع ثقافته من برامج التواصل الإجتماعي،خصوصا برنامج الواتس آب حيث يكادُ لايخلو هاتف منه،ومصادر الخبر فيه مجهولة غالبا.
لا أعلم إن كنا نستطيع أن نطلق عليها ثقافة حقيقية،إنني أرى أنها مجرّد ثقافة كرتونية تزول مع أول هبّة ريح.
فرسائل الشائعات السياسية والإجتماعية تتلاشى كسحابة صيف من أول إثبات .لتناقضها إعلاميا أو مصدر آخر موثوق في تويتر وغيره 
المثير للعجب حقا هو كمية الرسائل التي تصل عن أدوية شعبية تشافي أخطر الأمراض كإيبولا والسرطان والسكري-والعياذ بالله- بل ويقسم المُرسل-أغلظ الأيامين-أنها تشفي وفعالّة، ولعله تفائل أكثر وقال أنها من أول استخدام تزيله تماما،نعم،أنا أؤمن بقوّة الطب الشعبي وأنه ما من داء إلا وله دواء بإذن الله،ولكن من المجحف أن تتدارس المراكز الطبية الغربية المرض وطرق علاجه ولم تتوصل إلى حل فعّال إلى الآن فما بالك بالشفاء من أول استخدام،بينما لدينا يكتفون بذكر اسم مؤلف الوصفة وغالبا يكون له صيت ديني، وكأنه عصا سحرية تشفي من كل شي بمجرد "تخريف"وصفة طبية ومباركتها ببعض الأدعية واستحلافك بإرسالها طبعا!
وهذا كلّه غيضٌ من فيض،فكلكم تعلمون مدى جسامة الأمر،ومدى غرابة الشائعات التي يكاد لايصدقها عاقل!
أتمنى من أعماقي حقا أن يكف المجتمع عن إرسال الرسائل التي لاتسمن ولاتغني من جوع،وأن نعود إلى الكتب مجددا،فنحن أحفاد السالمي والعوتبي والفراهيدي-رحمهم الله جميعا-وسنعود أقوياء بعقولنا،غدا أو بعد غد.

Tuesday, August 18, 2015

هذا مرض، مخفي.

"هذا الإكتئاب يشج وريدي  ببطء فيعود فيداويه، إنه قاتل.
لا، أنت  لاتفهم، لايُشبه حزنك طفلا على تحطّم لعبتك المفضلّة كأداة حرب من أمك على أبيك ولا يُشبه فقدانك لعائلتك -كلها- في حادث سيارّة فظيع ، إنه شيء آخر، كل شيء رمادي، الاكتئاب لايشوبه حزن   أو قلق إنه شعور خام فقط اكتئاب وحياة رمادية بعينين مفتوحتين لأكثر من ٣٠ ساعة. ألم أخبرك إنه يشبه الموت؟ لكنك لاتموت، روحك تعبث بك في كل مرّة ولاتنفْق كما يعبّر الحوت عن امتعاضه على إمبراطورية البحر. كنت سأنتحر، قررت الذهاب للموت بنفسي هذا المرّة لكن تراجعت في آخر لحظة. جسدّي جيّد -لولا علامات السهر والتعب كأم  لعشرة أولاد- لكنّ روحي مهشمّة، هذا لايصدقّه العامّة. يظنونه ترهات فتاة حمقاء أو أنه قلّة صلاة بل سيتحمّس البعض أكثر ويرشدك لترك سماع الأغاني، لكنك مريض ولا أحد يفهم ذلك."

Monday, August 10, 2015

مذكرات يغشاها مذكرات

جُلُّ محاولات صبّي في القالب باءت بالفشل، لم أكن الطفل الذي تحلم به الأسر المُترفة، فما بالك بالأسر التي بالكاد تجُد ما تسكت به جوعها؟
لم أكن طفلا خارقا للعادة ولم أكن طفلا عاديّا، كنت أحمق. الطفل الذي حتى ببلوغه العشرين يثير دهشته كل شيء ويرغب بتفسير كل شيء. بداية بالأسئلة التي يهرب الآباء من إجابتها، مع أنها سهلة، لكنها غير قابلة للشرح.
" كيف جئت؟" أكثر الأسئلة الواقعية والمُخيفة لمجتمع تعوّد أن يُلجم السائل.
كنتُ سريعُ الفهم حاذق المعرفة لكنني أحمق، تخبرني معلمّة الإسلامية أن اذهب بكيس أسود يحتوي على ما طاب ولّذ من الحلويات لبيعه- وهو أمر يثير غضب المديرة- لتوشوش في أذني أن أقول أنها أرسلتني لوضعه في غرفتها في حال قابلت المديرة، "لكنه كذب، والكذب حرام يودي بك في جهنم" سؤال ينّز في رأسي فأخرِسه خشية خسران أرفع المهمّات: القيام بأعمال المعلمّة. 
كنت لا أبكي، صلابة لا أدري كيف يكتسبها طفل السابعة، حتى حينما تدحرجت إثر دفع صديق لثلاثة أمتار ليرتطم رأسي بالعامود الحديديّ  لم أبكي. كانت الدموع تُشكّل عينا مائية قابلة للإنفجار في أي لحظة ، لكني لم أبكي، خفتُ من سخرية الأطفال- وهي أشّد مضاضة من وقع الحسام المهنّد-بلعتُ غصتّي وتظاهرت بأنه أمر مضحك. كنتُ ذلك النوع من الأطفال الذي يُصّر على معلّم العلوم بأنه يرى الهواء رأي العين ضاربا بكّل النظريّات الفيزيائية عرض الحائط، فيقنعه المعلّم مرتين بالقول اللين  والثالثة يهددّه بالطرد إن لم يتكتّم على نظريته المهرطقة. اكتشف الطفل بعد ٩ سنوات أنّه يعاني من نقص نظر فيرى الناس تحيطهم هالة من الضبابية خالها يوما هواء يُرى.
لم تكن المراهقة أفضلُ حالا، لم يحصل على لاعب مفضّل يقاتِل الجموع من أجله ولا حتّى فريق يضحّي بنومه من أجل مباراته النهائية، كان كئيبا لمن حوله يقضي يومه إما فالمذاكرة وإما مبحلقا في شاشة حاسبه الآلي، كان المُراهق الذي يأخذ واجبات أصدقائه ليستمتع بحلهّا لهم في حجرته، ناسيا أنّه كان يمثل لهم المتفوّق الأحمق وكانوا يمثلون له الأغنياء الأغبياء. 

Saturday, August 8, 2015

ذريّة في مهّب الذرى

لكنه مات. لم يكن أهلا لهذه الحياة، الحياة التي قدمت فيها كل ما أملك لأجل الحصول على ما لم أملكه قّط.
هذا البطن عديم الفائدة، خواءٌ وعدم، كل الابتهالات على مدى عشرين سنة ولم يأتِ الجواب، كل النداءات الخفيّة بـ " يا رب إنّ هذا الكون بعظمته لم يعجزك فارزقني نُطفة لا أظمأ لمولودٍ بعدها أبدا" لكننّي لم أكن سارة والزوج لم يكن زكريا. انتبذت من أهلي وخاصتّي مكانا قصيّا تحايلت الغثيان كي يأتي ولا يأتي، نظرات الشفقة سكاكين تنشُز ما بقي من جَلَدي ولا تأتي!
لماذا.. يا إلهي.. يتعيّن عليّ أن أكون الجزءَ العاقرَ من هذا الكون، الآلة المعطوبة ،البئر الخاوية زادتك عطشا وما رويت.
كل الخلطات والمأكولات تناولتها - مهما كانت نسبة فعاليتها- بلا كلل ولا ملل، حفظ وجهي كُلُّ أطباء النساء والولادة فتحققّت الأولى ولم تأتِ الولادة.
لم أتوانى ولو للحظة في شرب كل المياه المقروء فيها  المُقدمّة من أمّي وكُل صديقاتها ولكن بطنّي كأنه قد خُلق لكّل شيء إلا وظيفته الحيويّة التي جُبلت عليها كُل بنات حواء.
عشر سنوات من الرمادة وأتيت أخيرا، ولم تخرج مصحوبا بهالة من نور كما ظننتك مطولّا ولم يتهافت عليّ الأطباء لرؤية الطفل المعجزة. كل ما حصل هو أنك خرجت نيئا قبل موعدك بأربعة أشهر وميتّا كسمكة نافقة، تهافت الأطباء حولي ولكن لإنقاذ ما تبقّى من حياتي ونسوا روحي المتهشمّة في قبرك.

هويتُ فهويتُ في وادٍ سحيق

هذا الثقب في روحي يتسع ليصبح كُلّ شيء آخر سحيق، ذرات لاتُرى إلا بعد تكبيرها الآف المرّات بالمجهر. أغدو لاشيء أمام جبروت الزوبعة العملاقة في روحي، يتلاشى كل شيء فيّ لأغدو مجردّة من كل شيء عدا الفقْد. أفقدك. بشدة، أكثر من كل شيء في العالم. لست جواز سفر ولا بطاقتّي الجامعيّة، ليس بإمكاني زيارة أقرب جهة حكومية ودفع ضريبة بدل فاقد فيستخرجوا لي أنتَ جديدا وناصعا كما ولدتك أمك. لم يكن خطأئي، ليس الفِراق على الأقل.
 كنتُ جيدّة و فعالّة لما تريد،لكنك رحلت.
 لم يعد هذا الكون يُعنيني، تكورّتُ على نفسي كجنين ناشئ فأجهضتني الحياة قبل اكتمال أي شيء. كنتَ قمرا بدون جانبٍ مظلم، كل شيء فيك كان قد أُعّد ليعجبني، بلا اعتراضات ولا غلطة، عدا تلك التي تأتي مشاكسة. لكنك رحلت.

النخيل لا يُثمِرُ في أوربا

القاعة نصف مستديرة، والأبصار تترقّب وأنا فالمنتصف. كلُّ العيون مبحلقة من جميع الزوايا  أمامي وعلى مدار١٨٠ درجة. أقف أمام الدفعة٥٨ من كليّة الهندسة في جامعة . وجوه تكاد تكون أغلبها شقراء إلا فيما ندر من الوجوه السمراء - التي أعرفها جيدّا- بصقتهم أوطانهم نيئين لا يتجاوزون الثامنة عشر لإكمال البكالريوس. أقف بصفتي المواطن الأمريكي عميد كليّة الهندسة مُلقيا كلمة ترحيبيّة للدفعة الجديدة. كان الخطاب من تلك الخطابات التي تؤدى لأجل الاداء ولا مستمعين. كنت ألوك الكلام بإنجليزيّة مُتقنه لايعرفها إلا مَن أفنى عمره آكلا من خيرات العم سام. مضى الخطاب سريعا، لايتجاوز الثلث ساعة، لم يلفت نظري سوى وجه واجم وبزّة رثّة، الوجه قمحّي أعرف كنهه تماما. كان كمن بُعث من مرقده، يحاول جاهدا ألا يفوته شيئا من زخارف القاعة ولا الوجوه المارّة أمامه، لكنه كان متشبثّا بكرسيّه كما يمسك طفل الخامسة بذيل ثوب أمه في أكثر الشوارع ازدحاما. انصرف الطلبة وبقي عابثا بهاتفه، كنتُ أرى فيه رهبة الغريب فحدثتنّي نفسي بملاطفته أو ربمّا لأنني رأيت فيه نفسي قبل ٣٥ سنة، قروّي جدّا، رّث الهيئة، وجاهلا الإنگليزيّة حتى ما يعينني على قضاء أبسط متطلبات العيش.

" إنّه ليحزنني أن تذهبوا به".

هذا العلاقة تشهد تداعياتها الأخيرة، كان واضحا جدّا؛ ندرة الحديث إلا لماما، القلب صديء وكتلٌ لاتحصى من الثلوج تراكمت على بابه، وهذا الثلج سيتجمّد أكثر ويصيرُ جليدا، لا يُزال إلا بوقع المعاوِل والحديد.
لكنّي أُريدك! وأعض على هذه العلاقة بالنواجذ ما استطعت لتبقى. أكذب حين أقول :" خسِرنا كُلّ شيء"، بقي الحُب. أحبّك رغم كل ما فعلته! تصوّر. وأحافظ على هشاشة هذه العلاقة، وأنت يا أنت ما أقساك!
أتسائل، مالذي يُحيلُ قلبَ رَجُلٍ إلى صفوانٍ غير ذي مسامٍ نافذ إليّ بين عشيّة وضحاها. يا إلهي إن هذا القلب منكسر وإنه لكاسره فصبرنّي صبرا جميلا وألقِ عليّ قميصه ولو تعريضا بعطرِه فإني كاظمة لحبّه وخسرِه وهُجراته وما ابيضّت عيناي حُزنا. إنهم يرونه بعيدا ونحنُ نراه قريبا فكما أخرجتني من قلبه اجعل لي فيه مُدخل صِدق يا جبر القلوب وشاهد على دمعة المظلوم. أنا انكسر إنّه لايعود.